أفرد تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، المعروف باسم" تقييم التهديد السنوي"، مساحة للحرب الإسرائيلية على غزة وتداعياتها إقليميًا ودوليًا.
وتوقّع التقرير استمرار المساعي الإسرائيلية لتدمير حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، رغم المقاومة المسلحة التي ستُواجهها دولة الاحتلال لسنوات بفعل البنية التحتية أسفل الأرض وما تمثّله من عناصر مفاجئة في الحرب.
وأعرب تقرير "سي آي إيه" عن مخاوفه بشأن رؤية إسرائيل لإنهاء الحرب، ووضع احتمالية اندلاع احتجاجات ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تُطالب بانتخابات جديدة، وتؤدي في محصلتها إلى تشكيل حكومة جديدة أكثر اعتدالًا.
وفي هذا الإطار، أكد التقييم أنّ واشنطن، باعتبارها وسيطًا قويًا، هي في وضع أفضل لإنهاء الصراع قبل أن يتسع نطاقه إقليميًا.
خلافات بين واشنطن وتل أبيب
وأشار مسؤولون استخباراتيون أميركيون في خضم شهاداتهم أمام مجلس الشيوخ، إلى أنّ تقييماتهم تُظهر أنّ "حزب الله" وإيران لا يُريدان تصعيد الصراع وصولًا إلى حرب شاملة.
وقالوا إنّه من شبه المؤكد أن تُواصل الجماعات المسلّحة المتحالفة مع إيران هجماتها ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا، وحذّروا في الوقت ذاته من استمرار هجمات الحوثيين في البحر الأحمر ودورها المحتمل في توسيع نطاق الصراع.
ويأتي التقرير الاستخباراتي الأميركي السنوي هذا العام، في خضمّ خلافات كبيرة بين واشنطن وتل أبيب بشأن ملفات عدة ذات صلة بالعدوان الإسرائيلي على غزة.
ولعلّ أبرزها عدم جدية الحكومة الإسرائيلية في إبرام صفقة جديدة، وتردّي الأوضاع الإنسانية في القطاع، فضلًا عن توجّهات نتنياهو وأجنداته إلى ما يُعرف باليوم التالي للحرب في غزة، وانعكاسات ذلك كله على استقرار المنطقة.
تقرير الـCIA يكشف مشكلات إسرائيل السياسية والعسكرية
وفي هذا الإطار، أوضح ديفيد ديروش أستاذ الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الوطنية الأميركية، أنّ تقرير الـ"سي آي إيه" يعكس الحراك الشعبي الداعم لقطاع غزة في الحرب الإسرائيلية عليه، والمشكلات السياسية والعسكرية التي تعاني منها إسرائيل والتي لا يُمكن حلّها في وقت قريب.
وقال ديروش في حديث إلى "العربي" من واشنطن، إنّ التقارير الإعلامية تُشير إلى أنّ الإدارة الأميركية أكدت خلال لقاءاتها مع الجانب الإسرائيلي، أنّ الحرب لا تسير وفق المخططات الإسرائيلية، وأنّها تشدّد على ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة.
خلاف أميركي إسرائيلي على التصوّر السياسي للحرب
من جهته، أشار مهند مصطفى الباحث في مركز مدى الكرمل، إلى أنّ تقرير الاستخبارات يؤكد أنّ ما تسميّه إسرائيل باليوم التالي للحرب على غزة هو "أمر غير واقعي"، مضيفًا أن الإدارة الأميركية تُدرك ذلك منذ اليوم الأول للحرب على القطاع.
وقال مصطفى في حديث إلى "العربي" من حيفا، إنّ الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل هو في أنّ إدارة الرئيس جو بايدن تعتقد أنّ أي تصوّر سياسي لغزة هو جزء من أهداف الحرب، في حين أن مقاربة نتنياهو هي عسكرية فقط تتمثّل في الإطاحة بحركة "حماس" واحتلال قطاع غزة.
تقرير الـCIA يكشف عجز الاستخبارات الإسرائيلية
بدوره، اعتبر معين الطاهر الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أنّ تقرير الاستخبارات المركزية الأميركية لا يرسم سياسات للإدارة الأميركية بل يقدّم تحليلًا للواقع على أرض الميدان في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وقال الطاهر في حديث إلى "العربي" من عمّان، إنّ أهمية التقرير تكمن في أنّه وضع أفقًا مفتوحًا لاستمرار الحرب، ناهيك عن تأكيده أنّ البنية التحتية لحماس لا زالت عصية على الفهم رغم مرور أكثر من 5 أشهر على الحرب، أي أنّ أنفاق غزة لا تزال حتى اللحظة صندوقًا أسود كبيرًا لا أحد يعرف عنه شيئًا باستثناء من بنوه.
وأكد أن كل هذا دليل قوي على عجز الاستخبارات الإسرائيلية طيلة الأعوام الماضية ورغم الاجتياحات المتكرّرة لقطاع غزة، عن معرفة هذا السر، وحتى عجز الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين أرسلتا طائرات استطلاع خاصة مهيأة لكشف المعادن في جوف الأرض، ولم يتمكّنا من اكتشاف الأنفاق.